د. مجدي الهلالي يكتب: هيا بنا نَعُجُّ إلى الله ونستغيث به
[24/03/2007]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، أما بعد..
فبعد أن وقع الزلزال، وانكشف الغبار، وتأكَّد لدينا بأنه ليس لنا سوى الله، وأنه وحده القادر على كشْف ما أصابنا من ضُرٍّ وبلوى، وأن ما حدث قد يكون عُتبى منه سبحانه، يعتب بها علينا بسبب ما أحدثناه من تقصير في القيام بالواجب الذي شرَّفَنا به وابتَعَثَنا من أجله، أو تفريطٍ وتهاونٍ في لزوم الاستقامة على أمره.
بعد أن وضحت الرؤية بأنه سبحانه هو الذي ابتلانا، فإنه ينتظر منا توبةً صادقةً، تبدأ بمحاسبة كلٍّ منا نفسَه، ومراجعة أموره كلها، بدءًا من علاقته به سبحانه، ومرورًا بعلاقته بإخوانه وبدعوته، وكلما كانت هذه المحاسبة جادَّةً منطلقةً من استشعار المرء بأنه قد يكون السبب فيما حدث للدعوة.. كلما ازداد الشعور بالندم، ومِن ثمَّ تكون التوبة صادقةً، عمليةً، ظاهرةَ الآثار في شتى المجالات.
ومع هذه المحاسبة، وهذه التوبة تأتي العبودية العظيمة الملازِمة لحدث الابتلاء، ألا وهي التضرُّع إلى الله والاستغاثة الشديدة به ﴿فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ (الأنعام: من الآية 43)، فالمطلوب هو تضرُّعٌ واستغاثةٌ تُظهر وتؤكد عدم تعلُّق قلوبنا بشيء سوى الله، وأنه لا ملجأَ لنا ولا منجى مما نحن فيه إلا هو سبحانه وتعالى، وأن نلحَّ في ذلك، ونلحَّ، ونتضرَّع، ونستغيث، ونعُجُّ (العجُّ هو رفع الصوت والصياح) إلى الله، ولا نترك هذا كله حتى يأتي الفرج، وما هو ببعيد كما وعد سبحانه ﴿أَمَّن يُّجِيْبُ الْمُضطَّرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ﴾ (النمل: من الآية 62).
من تجارب السابقين في الاستغاثة بالله
وإليك أخي قصةً من قصص السابقين، تؤكد هذا المعنى، وكيف أن أصحاب هذه القصة وبعد أن أُحيط بهم، وبلغ بهم البلاء والكرب ما بلغ لجأوا إلى الباب الأعظم، وتعلَّقت قلوبهم تعلقًا تامًّا بالله، وانخلعت من كل أسباب الأرض، عند ذلك جاءهم الفرج من حيث لا يحتسبون.
ذكر ابن بشكوال في كتابه (المستغيثين بالله) أن المسلمين في جزيرة إقريطش (تكريت) قد قاموا بغزوٍ لبعض ديار الروم، وأصابوا منهم إصاباتٍ عظيمةً، فبلغ ذلك الخبر ملك الروم، فاستشاط غضبًا، وتوعَّد المسلمين بحرب عظيمة وهزيمة ساحقة، وإن أدى ذلك إلى إنفاقه كلَّ دنانير مملكته، وذهب إلى راهب من أبناء الملوك يحبه الروم لزهده، فأنزله من صومعته، وأقنعه بضرورة قيادته للجيش المتوجِّه لجزيرة إقريطش.
وبالفعل خرج هذا الراهب بجيشٍ ضخمٍ، واتجه إلى الجزيرة، وفي طريقهم إليها وجدوا المراكب التي تحمل الطعام للمسلمين فاستولوا عليها، وما إن بلغ الخبر أهل الجزيرة حتى أغلقوا الأبواب وتحصَّنوا داخل مدينتهم، ثم ضرب جيش الروم حصارًا محكمًا على المدينة، وطال الحصار، ونفد الطعام حتى اضطُّرَّ الناس إلى أكْل ما مات من البهائم، ووصل بهم الجهد والجوع والكرب مبلغه، وبدأوا في التفكير الجادِّ بالاستسلام، وفتْح أبواب المدينة للروم، عند ذلك نهض فيهم أحد الشيوخ، وبيَّن لهم أن المسبِّب لهذا كله هو الله، وأنهم قد حُرِموا التوفيق الإلهي يوم أن استولى الروم على طعامهم، وأن ما عليهم إلا أن يقبلوا ما يشير به عليهم، فوافق القوم وأعطوه سمعهم.
فقال لهم توبوا إلى الله عز وجلَّ من قبيح تقصيركم في حق شكر نعمه، والزَموا ما يكون رباطًا لها وقائدًا لها إلى حُسْن المزيد فيها، وأخلِصوا له إخلاصَ من لا يجد فرجَه إلا عنده، وافصلوا صبيانكم من رجالكم، ورجالكم من نسائكم.
فلما ميَّزَهم هذا التمييز صاح بهم: "عُجُّوا بنا إلى الله عز وجل".
فعجوا عجَّةً واحدةً، وبكى الشيخ واشتد بكاء الناس وصراخهم، ثم قال: عجُّوا أخرى ولا تشغلوا قلوبكم بغير الله، فعجُّوا عجَّةً أعظم من الأولى، واشتد بكاؤهم ونحيبهم، وعلا صوتُهم.
ثم عجَّ الثالثة، وعجَّ الناس معه، ثم قال لهم: انظروا من شرفات الحصن، فإني أرجو أن يكون الله قد فرج عنا.
يقول راوي القصة- الحسن بن محمد-: والله لقد أشرفت مع جماعة فرأينا الروم قد قوّضوا، وركبوا مراكبهم، وانطلقوا في البحر، وفتحنا الحصن فوجدنا قومًا من بقاياهم، فسألناهم عن خبرهم، فقالوا: كان الراهب المحبوب عميد الجيش بأفضل سلامته اليوم، حتى سمع ضجتكم بالمدينة، فوضع يديه على قلبه وقال: قلبي، قلبي، ثم مات، فانصرف من كان معه من الجيش إلى بلاد الروم.
قال الحسن: ووجدنا في الأبنية من محلتهم من القمح و الشعير ما وسع أهل المدينة، وكفى الله جماعتهم بأس الروم من غير قتال والحمد لله.
فهيا بنا يا أخي نتوب إلى الله، ونستصرخه ونستغيث به.. قال- صلى الله عليه وسلم- "من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مئونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها" (أخرجه الطبراني في الصغير والبيهقي في الشُّعَب).
وصدق من قال:
لا تيأس إذا ما ضِقْتَ من فَرَجٍ يأتي به الله في الروحات والدُّلَجِ
وإن تضايق باب عنك مُرْتَتَج فانظر لنفسك بابًا غير مُرْتتج
فما تجرَّع كأسَ الصبر معتصمٌ بالله إلا أتاه الله بالفرج
والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اخيرا فلنشاركهم المحنة
هل تعلمنا منهم معني الصمود والثبات في أ شد الازمات